حوار إذاعي مع سنا يازجيحاورها: عمر ضاحي
صاغها باللغة العربية الفصحى كاتي الحايك
عمر: كيف تكونت فكرة موقع الذاكرة الابداعية للثورة السورية وماهي أهداف الموقع؟
سنا: الحقيقة تكونت الأهداف أو تكونت فكرة الموقع نتيجة خلفيتي المهنية كمصممة جرافيك وخريجة فنون جميلة مهتمة بالشؤون الإبداعية الفنية، أعتقد أن هذه الخلفية دفعتني فوراً للتفكير بمشروع مشابه. لم يكن صعباُ بدايةً أن اتخيل على الأقل الشكل الخارجي لمشروع يضم كافة أشكال التعبير الفني خلال زمن الثورة وحتى اليوم الحاضر
أهم أهداف المشروع يحمله اسم الموقع وهو الحفاظ على الذاكرة الابداعية خلال هذا الزمن من خلال التوثيق والتوثيق يُمكن أن أصفه كسلاح ضد النسيان. يُقدم لنا التوثيق دليلاً لأي مرحلة زمنية عند انعدام امكانية العودة بالزمن لمرحلة تاريخية ما لم نكن على أرض أحداثها. في هكذا حالات يُصبح التعرف على مجريات التاريخ بأحداثه وأشخاصه مرهون بمدى درجة التوثيق التي حظيت بها هذه التفاصيل بهذه المدة الزمنية
بقدرِ ما نملك من الأدلة التي توثق حدث ما هو قضيتنا، بقدر ما يكون هذا الأمر حمايةً للعدالة في حال يومٍ ما وجدنا أنفسنا نعيش في ظل دولة القانون، حتى لو كانت الأشكال التي نقوم بتوثيقها في الموقع هي أشكال ابداعية لكنها أشكال لتوثيق مجريات الأمور: عن طريق التظاهر، عن طريق رفع اللافتات، عن طريق الكتابة على الجدران.. كل ما عبر عنه الإنسان السوري من أفعال ابداعية من أجل قضيته في سبيل الحرية والانعتاق من الاستبداد.
ع: هل من الممكن أن تذكري لنا أمثلة عن المواد الموجودة في الموقع وكيف تم اختيارها؟
س: الموقع هو تنظيم للتوثيق، كما نعلم الثورة السورية هي من أكثر الثورات توثيقاً على الإطلاق. كل إنسان سوري كان لديه كاميرا أو هاتف نقال قام بالتوثيق عن طريق التصوير الفوتوغرافي أو من خلال مقطع فيديو لحدث ما سواء كان هذا الحدث تظاهرة أو غير تظاهرة، أو مبادرة أو ما شابه ذلك
هنالك كم هائل من هذه المواد على الانترنيت، نحن بدأنا بالعمل في أيار سنة 2013 ولا يزال العمل يحتاج لوقت أطول كي نتمكن من أرشفة وتوثيق كافة النتاج
الموقع مقسم لعدة أقسام، لقد نظمنا العملية التوثيقية عن طريق مجموعة أصناف ابداعية أطلقنا عليها أسماء تُحاكي واقع الأمور، فلم نطلق عليها صفات غير صفاتها. مثلا وضعنا تصنيفات مثل: حيطان، غرافيتي، كاريكاتور، لافتات، أغاني ورقصات، تظاهرات، منشورات مطبوعة، منشورات افتراضية.. كل ما أبدعه الإنسان السوري في هذا الزمن. نستطيع الذهاب لكل صنف والتعرف على محتوياته، الانتقاء دائماً عملية صعبة وتحتاج إلى قرار تحريري وسياسة تحريرية، فلماذا ننتقي مادة ولاننتقي أخرى!
في الأساس ما نبتغيه من تنظيم التوثيق هو ربط عناصر الحكاية ببعضها البعض. لنفترض أنه قد قامت مظاهرة ما، هذه المظاهرة مرتبطة بفيديو يُوثق مجرياتها وبمجموعة رقصات أو أغاني أُعيدت صياغتها لتحمل مطالب ما. هكذا مظاهرة هناك فنان عبر عنها بلوحة محددة وهي مرتبطة بزمان محدد وبمكان محدد وبعدد محدد من الشهداء. فالعملية التوثيقية ترتبط بمجموعة أعمال ابداعية كلها تدور حول الحادثة المحددة. فعندما نوثق، فإننا نقوم بتوثيق الحادثة وكل الطرق التعبرية المرتبطة بها
ع: خلال قيامك بالرصد والتوثيق لكل هذه الأعمال والإنتاجات الابداعية، هل لاحظتي أي تحولات نمطية أو تحولات في الإنتاج الإبداعي من ناحية المواد المنتجة أو من ناحية الأفكار خاصةً نهاية العام المنصرم أو من ناحية الكم فهل خف الإنتاج الإبداعي أو هكذا ملاحظة ربما تكون نتيجة عدم متابعتنا؟
س: هناك جزء من الحقيقة في كل شيء قد ذكرته حسب المرحلة الزمنية، بالتأكيد في بداية الثورة كان هناك أعمال بكميات كبيرة والخط البياني لهذه المراحل هو خط متذبذب يهبط ويصعد حسب المراحل. هناك تحول وهذا ما نسميه الضياع واختلاط الأمور نتيجة تحول الثورة من انتفاضة سلمية إلى ثورة مسلحة ودخول عناصر ارهابية. تحول القضية من قضية عادلة شرعية إلى حرب طاحنة تُدمر كل شيء
أكيد أولاً على مستوى الكمية هناك اختلاف وتراجع، وعلى صعيد النوعية هناك اختلاف بالمواضيع وقد تم التعبير عن هكذا اختلاف بشكل دائم، كل ما كان يحدث كان يتم التعبير عنه. مثلاً الانتقال من السلمية إلى السلاح، تم التعبير عن هذه المرحلة بشكل كبير. عبر الإنسان السوري عن العسكرة من خلال اظهار جانب الدفاع عن النفس، وجانب انتهاك العسكرة لحقوقه كما في حال ارتكاب الفصائل المسلحة انتهاكات لحقوق الانسان والبيئة
ثم عندما انتقلنا لمراحل أكثر قبحاً مع تسلط الاستبداد الديني، كان هناك أيضاً أعمال ابداعية بكميات هائلة كما في بداية تشكل داعش، ولكن للأسف قمع داعش يوازي قمع النظام. فأيضاً تراجعَ هامش الحرية بشكل كبير جداً في المناطق خارج سيطرة النظام. في البداية كان هامش الحرية كبير جداً للناشطين على الأرض، تجلى هكذا هامش بالمبادرة بعدة أعمال على الأرض من الناحية العملية والفكرية والابداعية. هذه السنة لاحظنا تراجع ملحوظ بنوعية الأعمال وأصبحت تقتصر على مناسبة بحد ذاتها ولا تحدث بشكل يومي أو شهري. فبعد أن كان الحدث السياسي حدثاً يومياً وبعد أن كان اهتمام الإنسان السوري كبيراً بالشأن العام، تراجع هذا الشيء بشكل كبير. تقريباً منذ الانتخابات الرئيسية إلى اليوم لم يتم التعبير عن أي حدث هام، إلا في استثناءات كمؤتمرات الحوار بجنيف أو القاهرة أو موسكو
أحد أهم أهداف موقع الذاكرة الإبداعية أن نقدم مواد للباحثين أو المختصين أو لمن يريد أن يعرف أكثر عن الثورة السورية تُمكنهم من تقييم مسيرة هذا الابداع
ع: شكراً جزيلاً سنا، في الحقيقة لدي الكثير من الأسئلة الأخرى التي أحب أن أسأل، ولكن الآن أترك للمستمعين فرصة الاطلاع على الموقع، وبالنسبة لكِ هل هناك أي شيء آخر تحبي أن تضيفيه؟س: من الصعب في خمس أو عشر دقائق أن نحكي كل شيء، أكيد هناك كلام أحب أن أضيفه، ولكن من الصعب أن أتوقع ماذا يريد أن يعرف المستمعين أكثر خاصةً اذا لم يكن هناك معرفة سابقة بالموقع. انشالله يكون هناك فرصة أخرى لنتكلم عن تفاصيل أكثر
ع: بالتأكيد شكراً جزيلاً
س: شكراً لكَ عمر