الوضع مجلة صوتية

{{langos!='ar'?"Issue "+guestData[0].issueNb:"عدد "+guestData[0].issueNb}}
{{langos!='ar'?item.title:item.arTitle}}
{{langos!='ar'?item.caption:item.arCaption}}
{{langos!='ar'?item.title:item.arTitle}}

عدد 1.1

ماذا حدث لثورة ٢٥ يناير المصرية؟

وائل جمال

شارك
{{(itemEpisode.isfavorite?'removetofav':'addtofav')|translate}}
المحاور بسام حداد
{{langos=='en'?('17/09/2014' | todate):('17/09/2014' | artodate)}}
{{('20'=='10'?'onEnglish':'20'=='20'?'onArabic':'20'=='30'?'onBoth':'') | translate}}

ضيوف

وائل جمال
وائل جمال

صحفي يساري مصري، وباحث ومترجم. يعمل في جريدة “الشروق” اليومية حيث يكتب عموداً تحليلياً أسبوعياً.


صحفي يساري مصري، وباحث ومترجم. يعمل في جريدة “الشروق” اليومية حيث يكتب عموداً تحليلياً أسبوعياً. كان ناشطاً في الميدان الصحفي لأكثر من ١٦ سنة، وعمل في مجال الإذاعة والصحافة في “العالم اليوم” و”الأهرام الإسبوعية” وغيرها، يحمل إجازة في العلوم السياسية والاقتصاد من جامعة القاهرة وهو أحد مؤسسي “المجموعة المصرية المضادة للعولمة” في ٢٠٠٢
 .والحملة الشعبية “أسقطوا ديون مصر”، في تشرين الأول\أكتوبر ٢٠١١.

قراءة المزيد

حوار المقابلة

صاغها باللغة العربية الفصحى أسامة إسبر



بسام: عزيزي وائل، مرحباً بك مرة أخرى. نريد منك صورة عامة عن مجريات الأمور في مصر، ونحب أن نتحدث معك اليوم عن مسألة مسار الثورة المصرية. وأحب أن أبتدئ بسؤال: أين صرنا، بعد ٢٥ يناير، ٢٠١١ في هذا المسار، ما الذي تحقق وما الذي لم يتحقق؟ نريد أن نعرف موقفك من هذه المسألة؟

وائل: أنا سعيد دائماً بالحوار معك. طبعاً إن تقييم ما حصل في ٢٥ يناير مهم من أجل أن نبدأ بفهم في أية لحظة نحن في هذا الوقت. أكيد أن ما حصل لم يكن يعني أنه حركة جماهيرية واسعة غير مسبوقة تنسج ما بين أهداف العدالة الاجتماعية والتحرر السياسي المصري وبأفق يرى مصر كجزء من العالم أيضاً. الثورة أو الهبّة الجماهيرية الواسعة التي قامت على هذه الأفكار أحدثت ضربة مهمة جداً للقوى والطبقات والفئات الحاكمة في مصر لكنها لم تهزمها هزيمة نهائية. وأعتقد أنه كان هناك عاقلون اعتقدوا من اللحظة الأولى أن الثورة لا تتم بضربة واحدة، فهي عملية صراع تستغرق وقتاً ومسارها متعرج وبالتالي بحاجة للعمل والفهم لإدارة هذا الصراع. إن سقوط مبارك ومن كان حوله، والأجهزة الأمنية التابعة له، كانت خطوة كبيرة، النظام الاجتماعي الحاكم اتخذ وضعاً دفاعياً، وليس هجومياً كالذي كان قبل ٢٥ يناير، لكنه ظل مسيطراً على مفاتيح الحكم لأن الثورة لم تحكم. كان هناك شد وجذب على مدى السنوات الثلاث الماضية، المساحة الخاصة بالصراع انفتحت لسنة ونصف أو سنتين ويبدو لكثيرين في هذا الوقت أن الثورة انهزمت أو أن الهبة الجماهيرية فشلت في تحقيق هدفها، انهزمت ونحن في مرحلة نوعية جداً. أنا لا أؤمن بهذا، ما أراه صحيحاً هو أن هذه اللحظة في جزر شديد فيما يتعلق بالحركة الثورية، في مساحة العمل والتنظيم والتحرك على صعيد الأهداف الأساسية لثورة يناير كالحريات والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية التي جسدت نفسها في الشعارات الرئيسية مثل حرية التنظيم وإيقاف التعذيب، الرقابة على المال العام، إلخ. صحيح أننا صرنا أبعد من النقطة التي كنا فيها ولكن مازالت العناصر البنيوية التي تسببت في ٢٥ يناير، ويمكن أن هذا كان شبيهاً باللحظة التي كانت قبل ٢٥ يناير بعشرة أيام أو أسبوعين حين كان هناك نقاش حول هل هناك إمكانية لتكرار ما حصل في تونس في مصر أم لا؟ كان هناك أشخاص كان رأيهم أن هذا من غير الممكن أن يحصل في مصر بسبب مقاربة بعض التفاصيل هنا أو هناك، لكن أي شخص كان يرى الأوضاع البنيوية السياسية والاجتماعية في مصر كان متأكداً أنه من الضروري أن يحصل شيء كهذا ولكن  التوقيت بهذا غير قابل للتنبؤ، ولا أحد يعرف متى سيحصل هذا على وجه التحديد، أي اليوم والساعة والشهر. كان السبب في حصل في تونس حادثة البوعزيزي، وفي مصر المظاهرة ضد الداخلية هي السبب، لكن على المستوى البنيوي هناك أزمة حكم مزدوجة على مستوى إقناع الناس وعلى مستوى النجاح على الأقل في أهداف الحكام، وأزمة الحكم هذه سياسية واجتماعية وطبقية متفاقمة لدرجة الطريق مسدود أمام الحكم.  حتى الإصلاح، الإصلاح الذي يريد إنقاذ النظام من داخله غير قادر على فرض نفسه وغير قادر على النجاح. إن من يحكمون مصر الآن، ولو أنهم حققوا مكسباً عبر استعادة بعض الأرض التي فقدوها منذ ٢٥ يناير، إلا أنهم يواجهون المعضلة نفسها التي كانت تواجه نظام مبارك في نهاية حكمه، وحتى هذه اللحظة ما زالت الحلول التي تُقدم هي حلول من نفس السلة أو الدرج الذي كان يخرج منه نظام مبارك الحلول وهو درج مفلس وغير قابل للنجاح أصلاً

ب: أستطيع أن أطرح عليك الكثير من الأسئلة عن هذا الموضوع ولكنني أحب الانتقال، منتهزاً فرصة وجودك، إلى مسألة الاقتصاد السياسي والعدالة الاجتماعية والمشاكل البنيوية التي يمكن أن تستمر حتى ولو حدثت هناك مصالحة سياسية بين الأطراف الأكثر عداوة. فبالنسبة لمسألة الاقتصاد السياسي المصري، بعد ٢٥ يناير، أين صرنا، وهل حدث أي تقدم، أم هناك تراجع؟ وما هي الخيارات والاحتمالات التي من الممكن حتى الآن تبنيها؟ وما هي الاحتمالات والاختيارات التي من الصعب أن يتبعها المرء بعد الآن؟ هل يمكن أن تقدم لنا نبذة عن هذا الموضوع أيضاً؟

و: هناك بعض من ينظرون إلى ما حدث في مصر والمنطقة على أنه تطور سياسي محض، أعتقد أنهم سيفقدون جزءاً مهماً من مفاتيح فهم ما يحصل. أود أن أميز بين مستويين في موضوع الاقتصاد السياسي، أو الخطاب أو القصة المتعلقة بالعدالة الاجتماعية: المستوى الأول هو مستوى الخطاب، فبعد ٢٥ يناير بدأت تتسلل ضرورة الحديث في الخطاب الحكومي وحتى في بعض أوساط رجال الأعمال عن موضوع العدالة الاجتماعية، وتوزيع أكثر عدالة للدخل، وبعض الرقابة على الفساد، حتى أنه يوجد جناح داخل رجال الأعمال يرى أن هناك ضرورة لتقديم بعض التنازلات لضمان الاستقرار طويل المدى، هذا على مستوى الخطاب، لكن على مستوى الخطاب نفسه هناك درجة من الارتباك، في الوقت الذي يقول فيه الدستور إن ثورة ٢٥ يناير إحدى الثورات المُلهمة بالتالي إن المطالب كمطالب العدالة الاجتماعية جزء أساسي. هناك جوانب لها علاقة، مثلاً، بالتعليم والصحة، إذ بدأ يقر ببعض التفاصيل العملية مثل أن نسبة الإنفاق على التعليم من الناتج القومي الإجمالي يجب أن تكون محددة وتصل تدريجياً إلى المستويات العالمية بحلول ٢٠١٧. وعلى مستوى الخطاب أيضاً هناك خطاب مماثل يتحدث عن إعادة الاستثمار إلى ما كان عليه قبل ٢٥ يناير، وأن الحل هو جذب الاستثمارات الأجنبية، الخ. من الواضح إذاً أن هناك درجة أكبر من الارتباك، لكن على المستوى العملي لم يكن هناك أي ارتباك فيما يتعلق بالسياسة الحكومية، فمن اللحظة الأولى لم تتغير الفرق المباشرة الفنية القائمة على صناعة وصياغة السياسة الحكومية المصرية، تقريباً الصف الثاني والثالث لم يتغيرا، إنها نفس الفرق، وهي قائمة على القناعات والأفكار والتوجهات نفسها التي كانت موجودة قبل ٢٥ يناير. هؤلاء هم من كانوا يصنعون السياسة الاقتصادية لحسني مبارك وتحالف حكمه، وبالتالي مازلنا نرى، وقد وضّح هذا نفسه في  كشف فكرة أن نظام السيسي سيبقى يقوم بمساومة تقدم الخبز والعدالة الاجتماعية مقابل الحريات وصيانتها وأن هذا الثمن جيد والناس العاديين في مصر يحتاجون هذا، يحتاجون لقمة العيش، لكنهم غير مهتمين كثيراً بفكرة مثلاً وقف المحاكمات العسكرية أو حق التنظيم السياسي، وأن هذه قضايا لها علاقة بالنخبة السياسية والمثقفين وأن الشارع يريد هذا ولديه استعداد وقبول لفكرة المساومة هذه، أي أن نأخذ الخبز مقابل أن نمنح الدولة الحق في الاستمرار على هذا المستوى السياسي. طبعاً هذه مسألة لا يستطيع أن يتأكد منها أحد بشكل كبير لكن ما هو أكيد بالنسبة لي أن السياسة الاقتصادية ومعالمها منذ ٣٠ يونيو ٢٠١٣ وحتى هذه اللحظة التي نحن فيها، وبعد الانتخابات الرئاسية تعكس العودة إلى إعادة إنتاج مباشرة أكثر قسوة وعنفاً وحدّة للسياسات الليبرالية الجديدة التي كان نظام مبارك يحاول تطبيقها وكان متردداً بسبب وضعه السياسي. وعندنا لأول مرة يكون الرئيس هو الذي يطلب بشكل مباشر ويتولى الدفاع عن تقليص عجز الموازنة بما يعني تقليص الإنفاق الاجتماعي بشكل مكثف حتى بشكل مخالف للدستور الذي هم من وضعه، فالصحة مثلاً تقلّص الإنفاق العام عليها ١٠ مليون جنيه في الأسبوع الماضي، ورفع الدعم تم بإجراءات أكثر عنفاً وحدة وأسرع مما كان الاتفاق عليه أصلاً مع صندوق النقد الدولي الذي كان يرى أنه يجب أن تكون هناك شبكة أمان اجتماعي موازية تحصل في التوقيت نفسه لكن هذا لم يحصل، أي يجب تتخذ إجراءات كي لا يتأثر الناس بهذا الشكل، لكن هذا لم يحصل مما ضرب معيشة الفقراء من خلال رفع الأسعار الذي حصل مرة أخرى، إلى جانب تمهيد الأرضية القانونية لضمان عودة رجال أعمال مبارك أنفسهم إلى النشاط كما كانوا، وضمان استمرار الشركات الكبيرة المسيطرة والمحتكرين في العمل في الإطار نفسه. إن مجموعة القوانين التي صدرت في عهد الرئيس عدلي  منصور تضبط تقنين الفساد في منح الأراضي الذي حصل تاريخياً والذي قد يحصل في المستقبل، يؤمن الحكومة، الموظفين الحكوميين ورجال الأعمال ضد أي ممارسة فاسدة فيما يتعلق بالعقود الحكومية، مثلاً، ويمنع القانون الصادر أي مواطن أو محام أو طرف ثالث غير أطراف العقود أن يطعنوا في المحكمة ضد أي إجراءات أو فساد، وكان هذا مدخلاً مهماً جداً من مداخل مقاومة الفساد، وهذه قضية ليس لها علاقة بالمال فحسب بل أيضاً لها علاقة بتمكين سياسي لجناح لعب دوراً مهماً في الأصل في موجة الثورة المضادة التي فرضت نفسها ابتداء من تفويض من ٣ يوليو وبالتالي من بعد ذلك في دعوة السيسي للتفويض والتي نتج عنها حالة الجزر في المسار الثوري الذي بدأ منذ ٢٥ يناير

بسام: سنتتقل إلى فقرة لها علاقة بالأمور التي تحدثت عنها لكنني أود التركيز على الفكرة التي تطرحها بعض الأطراف والتي تقارن بين عبد الناصر والسيسي سياسياً واقتصادياً، إلخ، وعلى مختلف المستويات بالنسبة للمقايضة التي تمت والتي تتم كما يقول البعض. هل يمكن أن تحدثنا عن هذا الطرح؟

و:  إن السؤال هو هل يطرحون هذا من أجل أغراض السياسة والدعاية أم عن قناعة، يقولون إن هذه قوة آتية من الجيش، إن الضباط الأحرار كانوا من الجيش، وأن هذه القوى ستبقى تعمل في إطار العنصرين الرئيسيين للناصرية وهما الموقف الذي ينزع نحو الاستقلال الوطني من ناحية، ومن ناحية أخرى إعادة توزيع الدخل. وبالطبع من مسارات السياسة الإقليمية للحظة التي نحن فيها توجهات النظام بائنة، فعلى مستوى الدعاية هناك توجهات، غير أن هذه الدعاية لا تخرج بشكل رسمي، وهناك مفارقة كبيرة بين محتوى الدعاية وما يتم على الأرض فيما يتعلق بترتيبات السياسة الإقليمية، وأهم نقطة تمكن الإشارة إليها هي المساهمة المصرية في اجتماع جدة مؤخراً الذي يقوم بتنسيق إقليمي بقيادة الولايات المتحدة لمواجهة داعش. إن مواجهة داعش حاجة ضرورية بالطبع، لكنني أقول إن أي إطار لمواجهة داعش، إطار تقوده الولايات المتحدة قليلاً لا يتسق مع صورة عبد الناصر الستينيات، سنة ٢٠١٤. إن الأمر نفسه في ما يتعلق بالسياسات الاقتصادية في التعامل مع الخارج، كان الوضع في السابق مختلفاً، فمثلاً وصل الأمر بعبد الناصر ولأسباب عملية لتمويل السد العالي أن يقوم بتأميم قناة السويس بعد رفض المؤسسات الدولية للتمويل. لكن في المشروع الكبير الذي أُعلن عنه قبل أسابيع، أي مشروع قناة السويس، كان البنك الدولي موجوداً كناصح واستشاري وكان ممثله يتحدث قي المؤتمر الصحفي. إن الشروط الأساسية على مستوى الاستقلال الوطني التي تكفل أن النظام الحاكم هذا يخوض معركة على مستوى الاستقلال الوطني غير متوفرة، على مستوى المصالح، بالعكس إن جزءاً مهماً من الحلفاء تربطه مصالح عضوية  مع رأس المال العالمي مع الولايات المتحدة ومع ما تسميه دعاية السيسي بالقوى الاستعمارية في هذه اللحظة.فهذا لا يقدم مساحة للأمر. على المستوى الثاني، كما قلت منذ قليل عن الاقتصاد، إن هذه المصالح، التي هي في شد وجذب، أحب أن أعلق عليه، بين جناح رجال الأعمال والجناح الأمني، والتقديرات السياسية التي يمكن في هذه اللحظة الحالية أو غيرها، إنما في النهاية لا أعتقد أبداً أن هناك مساحة لمعركة صفرية بين جناح رجال الأعمال ومجتمع الأعمال وما بين الجناح الأمني في الحكم، الذي هو مشارك في التحالف الحاكم. وما كان قد أُثير عن صراع في وقت صندوق التبرعات،إلخ، أعتقد أنه تم حله وتجاوزه. ولو فكرنا بالعقود التي بدأ الجيش يمنحها في المشروعات الكبرى فإن هذه العقود تُقدم للشركات الكبيرة، على سبيل المثال إن اللجنة الوزارية التي تم تأسيسها للتعامل مع مشروع حفر الأنفاق تحت قناة السويس تضم خمسة ممثلين منهم ثلاثة لأجهزة في الدولة، مجلس الوزراء والهيئة الهندسية وهيئة قناة السويس، الممثلون الآخرون هم ممثلون لشركة عامة هي المقاولون العرب، ولكن الممثل الخامس في لجنة تشرف على المشروع هي شركة أوراسكوم المملوكة لعائلة سويرس التي هي جزء من رؤوس الأموال الكبيرة في مصر التي بدا في لحظة ما أن هناك توتراً بينها وبين الحكم. وهذا واحد من الأمور التي تُظهر دوماً أن دخول المؤسسة العسكرية في القرار الاقتصادي تم تصديره بأنه سحب من رصيد الرأسمالية الخاصة والقطاع الخاص. وقد نظر الناس إلى الأمر من وجهتي نظر: هناك من الناس من رحبوا بهذا الأمر على أساس أن هذا يعني أن الدولة سيكون لها حضور أكبر يمكن أن يعوض احتكارية بعض الشركات الكبيرة، يسحب سياسياً من سيطرتها ودورها في السياسة، الخ، بعد تحولها إلى شريك مباشر في الحكم في السنوات العشر الأخيرة من حكم مبارك. هذا جانب، لكن هناك من ينظر إلى هذا الأمر بالمعنى السلبي، أي أن الدولة، القطاع العام الفاشل يستحوذ على نصيب القطاع الخاص، وبالتالي إن كفاءة هذه العملية ستقل، إلخ. في تقديري إن الطرفين لا ينظران إلى الموضوع من الزاوية السليمة، إن الزاوية السليمة هي أنه حتى لو أن القطاع العام يريد أن يلعب دوراً من الناحية السياسية لموازنة الأثر فإن الحل ليس أن يتم هذا بشكل فوقي أو بدرجة التعتيم الهائل وعدم المشاركة المجتمعية. كي تتم هذه العملية بشكل سليم يجب أن تتم بدرجة أكبر بكثير من الديمقراطية والمناقشة وحتى استيفاء الشروط القانونية البسيطة مثل وجود ضمانات لمناقشة هذه المشروعات، وكمثل وجود مشروعات دراسات جادة ومعلنة، ومثل استشارة وإدخال المجتمعات المحلية الموجودة التي سيتم فيها المشروع، والتي هي التفاصيل البسيطة لديمقراطية المشاركة والتي فيها ضغط من أسفل. بالتالي، هناك درجة من الاستحالة لإعادة إنتاج نظام عبد الناصر في اللحظة الراهنة إذا أخذنا بعين الاعتبار خلفيات المصالح وتركيبة بنية التحالف الحاكم في مصر حالياً والمؤلف من ثلاثة أجنحة: المؤسسة الأمنية بأطرافها المختلفة، البيروقراطية المصرية ورجال الأعمال

ب: إن آخر محور هو سؤال عن المستقبل بناء على الإيجابية التي لمسناها لدى قطاعات واسعة في مصر تجاه رئاسة السيسي. مع مرور الوقت خفّ هذا الحماس، واختفى عند البعض لكنه ما يزال موجوداً. ما هي العوامل التي يمكن أن تعكس هذا التيار، أو التي ستغير الموقف العام؟ هل هذه العوامل سياسية أم اقتصادية؟ وهل يمكن حدوثها في الوقت القريب أم أن هذا شيئاً من الصعب أن نتوقعه في الوقت القريب؟

و:  ثمة ما يبدو على السطح طبعاً، وأعني الإجراءات العنيفة التي اتُخذت على المستوى الاقتصادي،  كان هناك تقدير أنها كانت ستمر اجتماعياً.  لم يحدث شيء في هذا الصدد بعد ٧٧ إلا انتفاضة يناير، وفي هذه المرة لم يحدث أي شيء تقريباً حين أُعلنتْ قرارات رفع الأسعار، والحكومة اتخذت لأول مرة منذ ٧٧ قراراً  فيما يتعلق بدعم الخبز، أولاً عن طريق توزيعه بالبطاقات وليس في المخابز بشكل عام وتحديد عدد الأرغفة للفرد وتقليص وزن الرغيف المدعوم. في النهاية لم يحصل أي شيء له مغزى، بالتالي يرى البعض أن هذا يعني شيئين: أولاً، دعم لنظام السياسي بأنه ما يزال قوياً وشعبيته ما زالت تسمح، ثانياً: هناك مجال للاستمرار في هذه السياسات التي يطرحها اليمين دائماً على أنها الحل الوحيد للأزمة الاقتصادية في مصر. لكنني أعتقد أن هذه الرؤية تغفل حاجتين: أولاً، ـ وهذه هي التجرية المصرية التي حصلت حتى مع محمد مرسي ـ أن الحركة الاجتماعية عموماً تقدم فرصاً. ففي بدايات حكم مرسي كان هناك ثلاثة شهور غالباً من السكون قبل أن تبدأ الحركة الاجتماعية، وأعتقد أن قرار النظام بفرض هذه الإجراءات مبكراً كان مفيداً بالنسبة لهم لأنه بنى على هذه الفترة التي هي فترة الاختبار وإعطاء الفرصة ودراسة الموقف لكن هذا لا يعني أبداً أن الأمر منته لأن جزءاً من الفورة التي وصفتها أنت كانت مرتبطة بشروط، إذ لم يكن هذا تأييداً مطلقاً غير مشروط، بل كان تأييداً مشروطاً بتحسين شروط الحياة والقضاء مثلاً على الفساد، والنظام نفسه يقول إنه امتداد لثورة يناير التي خانها الإخوان بالتالي هناك انتظار كي تتحسن الحياة على مستويات كثيرة في الوظائف والمعيشة. إذا لم يحدث ذلك سيكون هناك مشكلة كبيرة، والاتجاه في السياسات الحكومية يقول إن ما سيحصل هو آلام أعمق مما هو موجود حالياً. لا نريد أن ننسى أيضاً أنه بالنسبة للنظام السياسي إن القدرة على الحكم المستقر لا تُبنى أبداً على قمع، هذه الدرجة الهائلة من القمع، وأنا لا أشير هنا إلى القمع الذي يحل بجماعة الأخوان المسلمين فقط، وهذا مسألة موجودة، بل أعداد الناس التي تُحال إلى المحاكم أو للقضاء أو التي تُعتقل حتى بدون توجيه تهم في ازدياد، إطلاق النار الحي على المسيرات، إلخ، ولا يقتصر هذا فقط على المحتجين السياسيين، وهذه نقطة المهمة لم يلتفت إليها أحد،  في التيار الرئيسي السياسي والمحلي والدولي، وهي أن قانون التظاهر لا يحظر ويضيّق فقط التظاهر في الشارع السياسي إنما هو موجه أيضاً ضد ويحظر الإضراب والاعتصام الاجتماعي، وبالتالي هو موجه ضد الحركة العمالية والاجتماعية، ونحن نسمع حتى هذه اللحظة أن هناك بعض الإجراءات القانونية التي تمت ضد عمال وتحويل العمال إلى المحاكمة بتهمة تعطيل العمل الذي هو عمل مجرّم بشكل يخالف الاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها مصر، وبالتالي كما كنا نناقش ما الذي يمكن أن يحصل في مصر قبل ٢٥ يناير، نحن في وضعية شبيهة بهذا. ثمة أزمة حكم بالمعنى المباشر، فأنت غير قادر على الاستمرار في ما تفعله إلى الأبد، أنت تحتاج إلى تقديم مكاسب حقيقية من أجل أن تقنعهم أن هذا الحكم يعمل جزئياً على الأقل لصالحهم. أنت لا تستطيع أن تحكم الناس بالقمع والتخويف والتخوين إلى مالا نهاية. في الوقت نفسه إن تركيبة المصالح الحاكمة معوّقة بشكل مباشر وفاشلة ومفلسة في أن تقدم الحل المطلوب: إن إصلاح الطريق في مصر غالباً يحتاج إلى ثورة كي يغير كل الإطار، البنية الاجتماعية التي تجعلك ترصف الطريق بالشكل الكفء المطلوب. فما بالك حين نتحدث عن قضايا كقضية الطاقة وقضية المياه وقضية إصلاح الجهاز الحكومي وإصلاح الجهاز الأمني التي هي قضايا شديدة العمق، وشديدة الخطورة ولا أعتقد أن هناك إمكانية أبداً في إطار التحالف الحاكم الموجود حالياً كي تتحسن. بالتالي، في اعتقادي نحن بانتظار موجة ثورية أخرى قد تكون شرارتها المزيد من الإجراءات الاقتصادية. نحن في انتظار أن يحصل هذا إما في آخر السنة أو في السنة الجديدة، ومن المعلن أن الحكومة ستطلق موجة جديدة من رفع الأسعار ورفع الدعم عن الطاقة وجزء من الغذاء في يناير القادم، أو قد تأتي الشرارة من حيث لا يحتسب أحد

ب: هل يمكن القول إن مصر بحاجة إلى دورة ثالثة أو رابعة بحسب موقف الشخص من التغيير أو الثورة أو ما شابه؟ هل يا ترى المسار الذي تسلكه مصر الآن من الصعب أو المستحيل أن يؤدي إلى تغيير جذري ولذلك هناك حاجة إلى ما هو أعمق، أم من الممكن من خلال الوضع السائد أن تحدث تحولات؟

و:  أنا قناعتي أنه من الصعب في إطار ما هو موجود حالياً حتى تقديم تنازلات. إن النظام الحاكم الحالي شديد التكلس إلى درجة أنه لا يسمح بهذا، لأن مخاطر هذه العملية على هذا التحالف عالية جداً. مجرد الإصلاحات البسيطة أو الإنفاق على الصحة. التفضيل هو دائماً، والمصلحة هي دائماً الاستمرار والتعميق، أي كما يقولون: داوها بالتي كانت هي الداء. إن المشكلة كانت هي في الأصل هذه السياسات الليبرالية الجديدة. إن الحل هو المزيد من السياسات الليبرالية الجديدة وليس الحل هو التراجع عن الإطار الفكري . وهذه ليست قضية جمود فكري إن الجمود الفكري نابع من تكلس المصالح، فهذه تركيبة مصالح ضيقة جداً ومتشابكة جداً بحيث أن أي فصل فيها يوقع المبنى كله، وبالتالي يصعّب هذا على أي طرف فيها أن يتخذ خطوة إلى الوراء أو الخلف دون أن يمس جوهر التحالف الحاكم كله، وبالتالي حين تحصل المواجهة، سيطلع الصوت الكلاسيكي المعتاد من وسط الطبقة الحاكمة الذي يرفع راية الإصلاح ويحاول أخذ الثورة  باتجاه الإصلاح مرة ثانية ويوقفها، لكن سيكون احتمال وجوده أصعب بكثير من الوضع مثلاً في يناير ٢٠١١

ب: إذاً نأمل خيراً إن شاء الله

و:  خير. خير جداً، إن شاء الله

ب: شكراً جزيلاً ولنا حديث آخر

و:  شكراً، أتمنى أن أكون مفيداً

قراءة المزيد